طفل ينتظر الموت والسبب: سوء التغذية

لا أموال لدى الأب، ولا حليب في ثديّ الأم

0

سنة واحدة فقط هي العُمر الاجمالي للطفل “صالح”، لم يعِش خلالها بِوضعٍ طبيعيٍ نتيجة للأحداث الجارية في اليمن، فهو يُعاني من سوء تغذية حاد، والده “محمد” موظّف حكومي لكنه بلا راتب منذ أشهر عديدة، يُعيل نفسه وزوجته وطفلين آخرين إلى جانب “صالح” وكلّهم تحت سنة الخامسة، يُوفّر مصاريف المنزل بالكاد، ولم يكن ليتوقع أن تؤدي نقص المواد الغذائية إلى نتائج سلبية.

 

الأسرة لا تملك مواد غذائية كافية، جف حليب الأم في ثدييها وأصبحت غير قادرة على ارضاعه، لا يجد الطفل ما يأكله ليُعين جسده الصغير على البناء، لا تملك الأُم ما تُقدمه إليه سوى الدموع، والوقوف عاجزة أمام صُراخ الطفل المُتتالي والذي يتعالى في كل وقت، ليجعل الأبوين في موقف بائس، يتمنون أن تمتد الحرب إليهم وتُصيبهم إحدى القذائف المسعورة؛ لتخليصهم من العجز الذي يعيشون فيه.

 

ينتمي صالح وأسرته إلى محافظة “تعز – عزلة الشراجة”، قامت الوحدة الصحية التابعة للعُزلة بتوفير علاج للطفل، لكن جسده لا يستجيب للعلاج، الأطباء نصحوا والده بضرورة إسعافه إلى المستشفى في المدينة، لكن كيف سيتم ذلك ولا نقود تُعينه على نفقات العلاج؟

 

من هُنا وهناك، استدان الأب مبلغ مالي يُعينه على النفقات كما يفعل كل اليمنيون عند المواقف المُشابهة، توجّه إلى المستشفى السويدي في المحافظة فتقرّر للطفل الرقود لمدة شهر على الأقل، لكن لا أموال كافية لدى الأب، لم يتمكّن من الجلوس سوى ثلاثة أيام، قلّم أظافره، ونكث شعره وقرّر العودة إلى القرية، مُستسلمًا لما سيأتي، عاجزًا عن عمل شيء سوى الحسرة على طفله الذي يتألم وتزداد حالته سوء، يوم تلو الآخر.

 

رصدت مؤسسة تمدين شباب هذه الحالة الإنسانية، كواحدة من حالات إنسانية عديدة تُعاني من سوء تغذية حاد، وتملك المؤسسة الوثائق اللازمة للأسرة وآلية التواصل معهم في حال وجود أي شخص أو جهة قادرة على التخفيف من وطأة الألم لهذا الطفل وانتشال والديه من الشعور بالعجز حيال حالته الصحية المُتدهورة.

 

في اليمن، لا يُعاني الطفل “صالح” وحيدًا، هُناك الكثير يتألمون، ومن بين عشرة أطفال يوجد ثمانية يُعانون من سوء تغذية، لا يعرف أهاليهم كيف يتصرّفون، لا يملكون النقود الكافية لاسعاف أطفالهم إلى المستشفيات الواقعة خلف كيلومترات طويلة، لم تعُد القرى أماكن آمنة للنازحين أو القاطنين فيها، لكنها تحوّلت إلى “مُخيمات للمجاعة” وفي حال لم تتعرّض لسعير الحرب، فهي بالضرورة تتعرّض لنقص التغذية وانتشار الأمراض المُتعدّدة.

 

يعيش الأطفال في اليمن بوضع مأساوي، يواجهون الموت ببطء، أجسادهم نحيلة، وأشكالهم مهولة، الأمرُ مروّع للغاية ومُرعب جدًا، الأطفال يزيد عمرهم عن الخامسة لكن أشكالهم توحي أنهم ما زالوا بعمر الأشهر لشدة نحافتهم، بالإضافة إلى الوضع الصحي السيء للأمهات، رؤية هذه المناظر مروّعة للغاية.

 

صحيفة “هافنجتون بوست” الأمريكية قالت إن في تعز لوحدها يُعاني 52 بالمائة من سكانها من المجاعة بينما تأتي “الحديدة” في المرتبة الثانية بنسبة 21 بالمائة من سكانها يعانون من نقص المساعدات الغذائية.

 

المجاعة في اليمن تنتشر مثل الوباء، لا يتم مُحاصرتها أو الحد منها، ولا يبدو أن هُناك آلية واضحة للقضاء على الجوع، وكان معهد بحوث السياسات الغذائية الدولية قد أعلن عن مؤشر الجوع العالمي كأحدث مؤشرات الجوع، قال: “أكثر من 45 دولة ستبقى تُعاني من ارتفاع مُعدلات الجوع”، ولقد دخلت اليمن ضمن هذه القائمة العام الفائت.

 

قال التقرير أن هُناك سبع دول جديدة دخلت ضمن الدول التي تعاني من مجاعة: “مثيرة للقلق”. احتلت اليمن المركز الرابع بين الدول السبع الجديدة والمركز السابع بين قائمة الدول التي تعاني من الجوع. المؤشر قال إن معدل الجوع في اليمن 35 بالمائة.

 

إنها لحظة حاسمة، لحظة إعلان المسئولية التامة لوقف هذه المآسي الإنسانية، فإما أن يتم انقاذ مستقبل البلاد من الموت الصامت الذي يُصيب أطفالها، أو أن يستمر الوضع كما هو الحال عليه، لنُفاجئ بمستقبل غير قادر على حمل أبنائه كما هو الحاضر الذي يقتُل الأطفال بالأمراض والجوع وسوء التغذية الحاد.