يكبرون بلا تعليم

حواجز تعليم الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان

0

يبلغ عدد اللاجئين في لبنان تقريبا رُبع عدد سكان البلاد، البالغ 4.5 مليون نسمة. سجّلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 1.1 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينما تُقدر الحكومة عدد السوريين في لبنان بمليون ونصف نسمة.

اتخذت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية عديدا من الاجراءات الإيجابية لتسجيل الأطفال السوريين في التعليم الرسمي، ولكن المنظومة التعليمية واجهت صعوبات في مواجهة هذا الوضع. بعد 5 سنوات من بداية النزاع السوري، بات يوجد أكثر من 250 ألف طفل – حوالي نصف الأطفال في سن الدراسة والمسجلين في لبنان – بدون تعليم. بعضهم لم يدخل أي فصل دراسي أبدا. عديد من الحالات الأخرى ينطبق عليها قول سيدة سورية: “أطفالنا يكبرون بلا تعليم”.

الأطفال الأكبر سنا تأثروا أكثر بهذا الوضع، فنسبة الأطفال المسجلين في المدارس الثانوية الحكومية ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة في العام الدراسي 2015-2016 – وعددهم 82744 حتى أغسطس/آب 2015 – لا تتجاوز 3 بالمائة.

خلُص هذا التقرير إلى أن الأطفال السوريين قد لا يحصلون على حقهم في التعليم ما لم يتبنَّ لبنان إصلاحات تتجاوز الإطار الحالي لسياساته التعليمية، وما لم يحصل على تمويل أكبر من المانحين بهدف تحسين وصول الأطفال إلى المدارس.

العدد الكبير للأطفال اللاجئين الذين لا يحصلون على تعليم يُعتبر أزمة قائمة. التعليم حق أساسي، والقانون الدولي ينصّ على الحق القانوني لجميع الأطفال في لبنان – بمن فيهم اللاجئين السوريين – في الحصول على تعليم ابتدائي مجاني وإلزامي، وعلى تعليم ثانوي دون تمييز. التعليم من الشروط الضرورية لحماية الأطفال في حالات النزوح، وقد يمتد ذلك على مرحلة الطفولة بأكملها. كلما طال بقاء الأطفال خارج المدارس، كلما تقلصت فرصهم في انهاء دراستهم.

يتخذ اللاجئون السوريون في لبنان تدابير استثنائية لضمان حصول أطفالهم على تعليم. يشمل ذلك انتقال الآباء والأمهات إلى أماكن قريبة من المدارس التي ربما تسمح بتسجيل أطفالهم، والغرق بالدَّين لدفع مصاريف الوثائق ومستلزمات المدرسة والنقل. إحدى اللاجئات لم تتمكن من تسجيل أطفالها في مدارس لبنانية، فاضطرت للعودة بهم مؤقتا لسوريا لتعليمهم. قالت: “كان قرارا سهلا”. هناك فتاة (9 سنوات) لم تتمكن من التسجيل في المدرسة بعد أن جاءت إلى لبنان، فوضعت لوحا تحت شجرة وبدأت تُدرّس ما بقي في ذاكرتها من دروس الصف الأول في سوريا لأطفال أصغر منها في مخيّم للاجئين.

.إن أكثر من نصف الأطفال السوريين بسن الدراسة اللاجئين في لبنان، والبالغ عددهم 500 ألف تقريبا، لا يحصلون على تعليم رسمي

نظام تحت الضغط

تُقدّر العائدات التي فقدها لبنان بسبب الحرب السورية، وعبء استقبال اللاجئين، بنحو 13.1 مليار دولار. كما أثّر تدفق اللاجئين على الخدمات العامة والبنية التحتية، بما في ذلك الصحة والطاقة والماء وجمع النفايات والتعليم. لم تكن المنح الدولية كافية. “خطة لبنان للاستجابة للأزمة” التي وضعت لمواجهة أزمة اللاجئين، ورُصد لها مبلغ 1.87 مليار دولار، حصلت فقط على 62.8 بالمائة من هذا التمويل في 2015.

يعتمد معظم اللاجئين على النظام التعليمي الحكومي في لبنان، الذي يشكو ضعفا من قبل الأزمة السورية. نسبة الأطفال اللبنانيين الذين كانوا يرتادون المدارس الحكومية لم تتجاوز 30 بالمائة بسبب ارتفاع نسب الرسوب والتسرب المدرسي. عمّق تدفق اللاجئين السوريين أزمة المدارس الحكومية، فعدد الأطفال السوريين في سن الدراسة تجاوز عدد الأطفال اللبنانيين المسجلين بهذه المدارس، والمقدّر بـ 249494 طفل في 2015-2016.

اتخذ لبنان خطوات هامة لإدماج الأطفال السوريين في منظومة المدارس الحكومية. سمحت السلطات للاجئين بالتسجيل دون إبراز إثبات على الإقامة القانونية، وأعفتهم من رسوم التسجيل، وفتحت فصولا دراسية في “دوام ثانٍ” بعد الظهر في 238 مدرسة حكومية لتوفير التعليم الرسمي للسوريين.

في 2014، تبنّى لبنان سياسة “توفير التعليم لجميع الأطفال” (RACE) التي ساعدته على رفع عدد الأطفال السوريين المسجلين في المدارس الحكومية إلى 158321 بحلول نهاية السنة الدراسية 2015-2016. وفي 2016، تبنى لبنان خطة لتنفيذ المرحلة الثانية من السياسة نفسها (RACE II) للسنوات الخمس المقبلة بهدف تسجيل 440 ألف طفل سوري في التعليم الرسمي بحلول العام 2020-2021.

رغم هذه الجهود، مازال الكثير من الأطفال السوريين خارج المدرسة. تتسبب القوانين المتشددة التي تمنع السوريين من الحصول على إقامة وعمل بشكل قانوني في تقويض سياسات لبنان السخية في مجال تسجيل الأطفال بالمدارس. عديد من العائلات تعاني الفقر وتخشى الاعتقال إن حاولت العمل أو العثور على عمل. في الغالب، لا تستطيع هذه العائلات توفير مصاريف الدراسة، مثل النقل واللوازم المدرسية، أو تعتمد على عمل الأطفال بدل إرسالهم إلى المدرسة.

من الأسباب الأخرى التي تمنع السوريين من التسجيل، وتدفعهم إلى الانقطاع عن المدرسة، بعض مديري المدارس الذين يفرضون شروطا إضافية عند التسجيل؛ التحرش والمضايقات من قبل الطلاب؛ مخاوف تتعلق بالسلامة؛ العقوبات البدنية؛ عدم توفر المرافق الصحية؛ التدريس بلغات غير معتادة – مثل الإنغليزية والفرنسية – وغياب الدعم الكافي لتدريس اللغات. تواجه الفتيات والأطفال الأكبر سنا وذوو الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص عراقيل في التسجيل.

رغم ارتفاع عدد الفصول الدراسية، إلا أنها مازالت غير كافية لاستيعاب اللاجئين السوريين في المدارس الحكومية. ورغم توفر 200 ألف مقعد للسوريين في المدارس الحكومية في 2015-2016، إلا أن هذا العدد يبقى دون نصف عدد اللاجئين السوريين في سن الدراسة والمسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في بداية السنة، والمقدّر بـ 495910 طفل. الكثير من هذه المقاعد بقيت شاغرة لأن بعض المدارس بعيدة عن المناطق المحتاجة، والعراقيل المذكورة أعلاه تمنع الأطفال من الدراسة حتى في المناطق التي توجد فيها مقاعد شاغرة.

خديجة (14 عاما) من القنيطرة، ترفع كتابا كتبته ورسمت صوره، عن تفاصيل تجربتها في محاولة التسجيل في مدرسة بلبنان

انقاذ جيل من الضياع

من صالح لبنان والمجتمع الدولي تفادي وضع يُحرم فيه أكثر من 250 ألف طفل سوري من التعليم، فلا يستطيعون التعايش مع مضيفيهم اللبنانيين، ولا يشاركون في الاقتصاد اللبناني، ولا يلعبون دورا إيجابيا في إعادة بناء سوريا مستقبلا.

يحتاج لبنان إلى مساعدات مالية أكبر بكثير للاستجابة لاحتياجات اللاجئين السوريين في مجال التعليم، بما يشمل توسيع المدارس الحكومية وإعادة تأهيلها، الاستثمار في التعليم الجيد، دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل كامل، تدريب وتعيين عدد أكبر من المدرسين، ودعم النقل المدرسي.

لكن ذلك وحده لن يساعد على تذليل العقبات التي تمنع الأطفال السوريين من الذهاب إلى المدرسة. على لبنان أيضا تغيير السياسات التي حدّت من حصول الأطفال على تعليم، وضمان حق الأطفال اللاجئين في التسجيل في المدارس الابتدائية، ومواصلة دراستهم في المرحلة الثانوية، وتمكينهم من فرص حقيقية لمواصلة دراساتهم الجامعية أو في مجال التدريب المهني لكسب لقمة العيش. على لبنان أيضا أن يضمن تنفيذ سياسات التسجيل الكريمة بشكل مناسب، ومحاسبة المتورطين في العقوبات البدنية. على وزارة التربية أيضا دعم التعليم غير الرسمي، كإجراء مؤقت على الأقل إلى أن يصير التعليم الرسمي متاحا لجميع الأطفال في البلاد، وتحقيق مستوى أساسي من الجودة، مع وجود قنوات معترف بها تسمح للطلاب بالانتقال إلى التعليم الرسمي.

على الحكومة أن تسمح للسوريين بالحصول على وضع قانوني، من خلال مراجعة شروط الإقامة والسماح لمن نفذت تصاريح اقامتهم بتجديدها. عليها أيضا السماح للسوريين بدخول سوق العمل، بما في ذلك تمكين المعلمين السوريين المؤهلين من تدريس الأطفال اللاجئين.

للإطلاع على التقرير كاملاً